بسم الله الرحمن
الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، السؤال: هل يجوز يا شيخ أن نقتبس
من القرآن الكريم بعض جمل وفقرات واستخدامها في الحياة العامة ؟ مثلاً:
يقول لي صديقي:
" تعال نأكل في هذا المطعم " ،
أقول له : " أكل المطاعم لا يسمن ولا يغني من جوع " ، ومثال آخر : يطلب مني
صديق أن أخبره بشيء ، فأقول له : " انتظر حتى أحدث لك منه ذِكراً ".
الجواب : الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و على أله و صحبه و
سلم أاجمعين : أما بعد : أولاً: الاقتباس في اللغة : هو طلب القَبَس ، وهو
الشعلة من النار ، ويستعار لطلب العلم ، قال الجوهري في " الصحاح " :
اقتبست منه علما : أي استفدته . وفي الاصطلاح : تضمين المتكلم كلامه -
شعراً كان أو نثراً - شيئاً من القرآن ، أو الحديث ، على وجه لا يكون فيه
إشعار بأنه من القرآن أو الحديث . "الموسوعة الفقهية" (6/16 ، 17) .
ثانياً: أنواع الاقتباس : في " الموسوعة الفقهية " ( 6 / 16 ، 17 ) :
الاقتباس على نوعين : أحدهما : ما لم ينقل فيه المقتبَس ( بفتح الباء ) عن
معناه الأصلي ، ومنه قول الشاعر : قد كان ما خفت أن يكونا *** إنا إلى الله
راجعونا وهذا من الاقتباس الذي فيه تغيير يسير ؛ لأن الآية ( وإِنَّا
إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ) البقرة/156. والثاني : ما نقل فيه المقتبَس عن معناه
الأصلي كقول ابن الرومي : لئن أخطأتُ في مدحِـ ك ما أخطأتَ في منعي لقد
أنزلتُ حاجاتي " بوادٍ غير ذي زرع " فقوله " بواد غير ذي زرع " : اقتباس من
القرآن الكريم ، فهي وردت في القرآن الكريم بمعنى " مكة المكرمة " ، إذ لا
ماء فيها ولا نبات ، فنقله الشاعر عن هذا المعنى الحقيقي إلى معنى مجازي ،
هو : " لا نفع فيه ولا خير " . ثالثاً: حكم الاقتباس : جاء في "الموسوعة
الفقهية" ( 6 / 17 ، 18 ) : " يرى جمهور الفقهاء جواز الاقتباس في الجملة ،
إذا كان لمقاصد لا تخرج عن المقاصد الشرعية ، تحسيناً للكلام ، أما إن كان
كلاماً فاسداً : فلا يجوز الاقتباس فيه من القرآن ، وذلك ككلام المبتدعة ،
وأهل المجون ، والفحش . قال السيوطي : لم يتعرض له المتقدمون ، ولا أكثر
المتأخرين من الشافعية ، مع شيوع الاقتباس في أعصارهم ، واستعمال الشعراء
له قديماً ، وحديثاً ، وقد تعرض له جماعة من المتأخرين ، فسئل عنه الشيخ
العز بن عبد السلام فأجازه ، واستدل له بما ورد عنه صلى الله عليه وسلم من
قوله في الصلاة وغيرها : ( وجهت وجهي ... إلخ ) ، وقوله : ( اللهم فالق
الإصباح وجاعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا اقض عني الدين وأغنني من
الفقر ) . وفي سياق الكلام لأبي بكر ... " وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب
ينقلبون " . وفي حديث لابن عمر ... " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة "
. وقد اشتهر عند المالكية تحريمه ، وتشديد النكير على فاعله ، لكن منهم من
فرَّق بين الشِّعر فكره الاقتباس فيه ، وبين النثر فأجازه ، وممن استعمله
في النثر من المالكية : القاضي عياض ، وابن دقيق العيد ، وقد استعمله فقهاء
الحنفية في كتبهم الفقهية . ونقل السيوطي عن " شرح بديعية " ابن حجة أن
الاقتباس ثلاثة أقسام : الأول : مقبول ، وهو ما كان في الخطب والمواعظ
والعهود . والثاني : مباح ، وهو ما كان في الغزل والرسائل والقصص . والثالث
: مردود ، وهو على ضربين . أحدهما : اقتباس ما نَسبه الله إلى نفسه ، بأن
ينسبه المقتبِس إلى نفسه ، كما قيل عمن وقع على شكوى بقوله : " إن إلينا
إيابهم ، ثم إن علينا حسابهم " !! . والآخر : تضمين آية في معنى هزل ، أو
مجون . قال السيوطي : وهذا التقسيم حسن جدّاً ، وبه أقول " انتهى . وبهذا
التقسيم الأخير يقول العلماء المحققون ، وليس ثمة فرق بين الشِّعر والنثر
عندهم . 1. سئل علماء اللجنة الدائمة عن : استعمال بعض آيات القرآن في
المزاح ما بين الأصدقاء ، مثال : ( خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ) الحاقة/30 ، (
وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ ) عبس/40 ، ( سِيمَاهُمْ فِي
وُجُوهِهِمْ ) الفتح/29 ، هل يجوز استعمال هذه الآيات في المزاح ما بين
الأصدقاء ؟ . فأجابوا : " لا يجوز استعمال آيات القرآن في المزاح على أنها
آيات من القرآن ، أما إذا كانت هناك كلمات دارجة على اللسان لا يقصد بها
حكاية آية من القرآن أو جملة منه : فيجوز. وبالله التوفيق ، وصلى الله على
نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم " انتهى . الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ
عبد الرزاق عفيفي . " فتاوى اللجنة الدائمة " ( 4 / 82 ، 83 ) . 2. وسئل
علماء اللجنة الدائمة – أيضاً – : ما حكم تأول القرآن عندما يعرض لأحد
منَّا شيءٌ من أمور الدنيا ، كقول أحدنا عندما يحصل عليه شدة ، أو ضيق : (
تَؤُزُّهُمْ أَزًّا ) مريم/83 . عندما يلاقي صاحبه : ( جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ
يَا مُوسَى ) طه/40 . عندما يحضر طعام : ( كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا
بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ) الحاقة/24 . إلى آخر ما
هنالك مما يستعمله بعض الناس اليوم ؟ . فأجابوا : " الخير في ترك استعمال
هذه الكلمات وأمثالها فيما ذكر ؛ تنزيهاً للقرآن ، وصيانة له عما لا يليق.
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم " انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن
غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود . " فتاوى اللجنة الدائمة " ( 4 / 81 ، 82 )
. 3. وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - : كثيراً ما يتناقل
بعض الناس أثناء الحديث على ألسنتهم آيات من القرآن الكريم ، أو من السنَّة
على سبيل المزاح ، مثاله : كأن يقول بعضهم : فلان ( نَاقَةَ اللَّهِ
وَسُقْيَاهَا ) الشمس/13 ، أو قول بعضهم للبعض : ( لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ
دِينِ ) الكافرون/ 6 ، واليوم رأينا نون وما يعلمون ، وهكذا ، ومن السنَّة
: كأن يقول أحدهم إذا ذُكّر ونُصح بترك المعصية : يا أخي ( التقوى هاهنا )
، أو قوله : ( إن الدين يسر ) وهكذا . فما قولكم في أمثال هؤلاء ؟ وما
نصيحتكم لهم ؟ . فأجاب : " أما من قال هذا على سبيل الاستهزاء والسخرية :
فإنه على خطر عظيم ، وقد يقال إنه خرج من الإسلام ؛ لأن القرآن لا يجوز بأي
حال من الأحوال أن يُتخذ هزواً ، وكذلك الأحكام الشرعية ، كما قال الله
تبارك وتعالى : ( يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ
سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ
اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ . وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ
إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ
وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ . لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ
بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ
طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ) التوبة/64 – 66 . ولهذا قال
العلماء رحمهم الله : من قال كلمة الكفر ولو مازحاً : فإنه يكفر ، ويجب
عليه أن يتوب ، وأن يعتقد أنه تاب من الردة ، فيجدد إسلامه ، فآيات الله عز
وجل ورسوله أعظم من أن تتخذ هزواً أو مزحاً . أما من استشهد بآية على
واقعة جرت وحدثت : فهذا لا بأس به ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم
استشهد بالآيات على الوقائع ، فاستشهد بقوله تعالى : ( إِنَّمَا
أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ ) التغابن/15 ، حينما جاء الحسن
والحسين يتعثران في أثوابهما ، فنزل من المنبر صلى الله عليه وسلم ، وقال :
( إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَة ) التغابن/15 ،
فالاستشهاد بالآيات على الوقائع : لا بأس به ، وأما أن تنزّل الآيات على ما
لم يُرد الله بها - ولاسيما إن قارن ذلك سخرية واستهزاء - : فالأمر خطير
جدّاً " انتهى . "لقاءات الباب المفتوح" (60/السؤال الأول) . 4. وسئل الشيخ
صالح بن فوزان الفوزان – حفظه الله – : نسمع كثيراً من الإخوان يستخدمون
الآيات القرآنية لضرب أمثلة ، كقوله تعالى : ( لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي
مِن جُوعٍ ) الغاشية/7 ، وقوله : ( مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا
نُعِيدُكُمْ ) طه/55 . فهل هذا جائز أم لا ؟ وإذا كان جائزاً : ففي أي
الحالات يمكن ذكرها وترديدها ؟ . فأجاب : " لا بأس بالتمثل بالقرآن الكريم
إذا كان لغرض صحيح ، كأن يقول : هذا الشيء لا يُسمن ، ولا يُغني من جوع ،
أو يقول : ( مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ ) طه/55 ، إذا
أراد التذكير بحالة الإنسان مع الأرض ، وأنه خلق منها ، ويعود إليها بعد
الموت ثم يبعثه الله منها ، فالتمثل بالقرآن الكريم إذا لم يكن على وجه
السخرية والاستهزاء : لا بأس به ، أما إذا كان على وجه السخرية والاستهزاء :
فهذا يعتبر ردة عن الإسلام ؛ لأن من استهزأ بالقرآن الكريم أو بشيء من ذكر
الله عز وجل ، وهزل بشيء من ذلك : فإنه يرتد عن دين الإسلام ، كما قال
تعالى : ( قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ
تَسْتَهْزِؤُونَ . لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ )
التوبة/65 ، 66 ، فيجب تعظيم القرآن واحترامه " انتهى . "المنتقى من فتاوى
الشيخ الفوزان" (2 /79 ) .. والله أعلم .. {{ رياض الصالحين }} .. بارك
الله فيكم .. السلام عليكم و رحمة الله و بركاته